الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)
.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْغَنَمِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ بِالْقِيمَةِ: قَالَ: نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ اقْتَسَمُوا الْغَنَمَ عَلَى الْقِيمَةِ إذَا كَانَ بِالسِّهَامِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى أَمْرٍ فيكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ. قُلْت: فَإِنْ اُسْتُحِقَّ مِمَّا في يَدِ أَحَدِهِمَا شَاةٌ، أَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تُنْتَقَضَ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشَّاةُ الْمُسْتَحَقَّةُ هِيَ خُمْسُ مَا في يَدَيْهِ رَجَعَ عَلَى أَخِيهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ خُمْسِ مَا في يَدَيْهِ. قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ أَحَدِهِمَا جُلُّ حِصَّتِهِ مِنْ الْغَنَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ، تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ إذَا كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ أَحَدِهِمَا هُوَ جُلُّ حِصَّتِهِ وَفيهِ رَجَاءُ الْفَضْلِ وَالنَّمَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ لِي مَالِكٌ في الْقَوْمِ يَرِثُونَ الْحَائِطَ مِنْ النَّخْلِ فيقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمُوا الثَّمَرَ فيفْضُلَ بَعْضُهُمْ في الْكَيْلِ لِرَدَاءَةِ مَا يَأْخُذُ مِنْ التَّمْرِ، وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ مَكِيلَةِ مَا يَأْخُذُ أَصْحَابُهُ مِنْ التَّمْرِ إلَّا أَنَّ تَمْرَ أَصْحَابِهِ أَجْوَدُ، فيأْخُذُهُ لِمَوْضِعِ جَوْدَةِ ثَمَرَةِ أَصْحَابِهِ دَرَاهِمَ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ هَذَا، وَلَكِنْ يَتَقَاوَمُونَ الْأَصْلَ، كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا فيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَرَادُّونَ هَذَا الْفَضْلَ إنْ كَانَ بَيْنَهُمْ فَضْلٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَتَى بِحِنْطَةٍ وَدَرَاهِمَ وَآخَرُ بِحِنْطَةٍ وَدَرَاهِمَ فَتَبَادَلَا بِهَا، وَإِنْ كَانَ الْكَيْلُ وَاحِدًا وَوَزْنُ الدَّرَاهِمِ وَاحِدًا، فَلَا خَيْرَ فيهِ. .مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْحِنْطَةِ وَالدَّرَاهِمِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ: قَالَ: إنْ كَانَ الْقَمْحُ مُخْتَلِفًا سَمْرَاءُ وَمَحْمُولَةٌ أَوْ نَقِيَّةٌ وَمَغْلُوثَةٌ فَلَا خَيْرَ فيهِ، وَهَذَا مِثْلُ مَا وَصَفْتُ لَكَ في التَّمْرِ. وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَقَاوَةٍ وَاحِدَةٍ وَصِنْفٍ وَاحِدٍ لَا يُؤْخَذُ أَوَّلُهُ لِلرَّغْبَةِ فيهِ وَيُهْرَبُ مِنْ رَدَاءَةِ آخِرِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ عَشَرَةَ أَرَادِبَ وَأَعْطَى أَخَاهُ عَشَرَةَ أَرَادِبَ ثُمَّ بَقِيَتْ عَشَرَةُ أَرَادِبَ بَيْنَهُمَا وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، فَأَخَذَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّلَاثِينَ دِرْهَمًا حِصَّةَ أَخِيهِ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ أَرَادِبَ فَلَا بَأْسَ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ هَذَا بِطَعَامٍ وَهَذَا بِطَعَامٍ وَدَرَاهِمَ فيكُونُ فَاسِدًا، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَمْحُ بَيْنَهُمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ خُذْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَآخُذُ أَنَا هَذَا الْقَمْحَ، أَوْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَآخُذُ نَصِيبَكَ مِنْ هَذَا الْقَمْحِ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا بَأْسَ بِهَذَا، وَهَذَا فيمَا فَضَلَ بَعْدَ حِصَّتِهِ مِنْ الْحِنْطَةِ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت: فَلَوْ وَرِثْنَا أَنَا وَأَخٌ لِي مِائَةَ إرْدَبٍّ مِنْ حِنْطَةٍ وَمِائَةَ إرْدَبٍّ مَنْ شَعِيرٍ، فَأَخَذْتُ أَنَا سِتِّينَ إرْدَبًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَأَرْبَعِينَ إرْدَبًّا مَنْ شَعِيرٍ، وَأَخَذَ أَخِي سِتِّينَ إرْدَبًّا مَنْ شَعِيرٍ وَأَرْبَعِينَ إرْدَبًّا مَنْ حِنْطَةٍ، أَتَجُوزُ هَذِهِ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ الَّتِي أَخَذَ أَحَدُهُمَا هِيَ مِثْلُ مَا أَخَذَ شَرِيكُهُ، وَمَا زَادَ عَلَى الَّذِي أَخَذَ شَرِيكُهُ فَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ بَادَلَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ؟ قَالَ: وَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْقَوْمِ يَرِثُونَ الْحُلِيَّ مِنْ الذَّهَبِ، فَتَقُولُ أُخْتُهُمْ اُتْرُكُوا إلَيَّ هَذَا الْحُلِيَّ وَأَنَا أُعْطِيكُمْ وَزْنَ حَقِّكُمْ مِنْ هَذَا الْحُلِيِّ ذَهَبًا. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا وَزَنْتَ ذَلِكَ لَهُمْ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ وَرِثْنَا حِنْطَةً وَقُطْنِيَّةً اقْتَسَمْنَا ذَلِكَ أَنَا وَأَخِي أَخَذْتُ أَنَا الْحِنْطَةَ وَأَعْطَيْتُ أَخِي الْقُطْنِيَّةَ، أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ كَانَ زَرْعًا قَدْ بَلَغَ وَطَابَ لِلْحَصَادِ فَلَا خَيْرَ في ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُحْصَدَ كُلُّهُ مَكَانَهُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ حِنْطَةً وَقُطْنِيَّةً، وَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ زَرْعًا حَتَّى يَحْصُدَاهُ وَيَدْرُسَاهُ وَيَقْتَسِمَاهُ بِالْكَيْلِ. .مَا جَاءَ في الْقَوْمِ يَقْتَسِمُونَ الدُّورَ فَتُسْتَحَقُّ حِصَّةُ أَحَدِهِمْ وَقَدْ بَنَى: قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا بَنَى أَحَدُهُمَا في نَصِيبِهِ فَذَلِكَ فَوْتٌ. قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ إنَّمَا اُسْتُحِقَّ نِصْفُ نَصِيبِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَبْنِ في نَصِيبِهِ شَيْئًا، كَانَ ذَلِكَ فَوَاتًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيُقَالُ لِلَّذِي بَنَى أَخْرِجْ قِيمَةَ مَا صَارَ لَكَ وَيَرُدُّ هَذَا كُلَّ مَا في يَدَيْهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْقِيمَةَ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأَرْضِ بَيْنَهُمَا نِصْفينِ إذَا كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا تُرِكَتْ الْقِسْمَةُ وَرَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ ذَلِكَ في قِيمَةِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ رُبُعَ مَا في يَدَيْهِ رَجَعَ بِثَمَنِ قِيمَةِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ الَّذِي بَنَى نَصِيبَهُ وَكَانَ نَصِيبُهُ فَوْتًا. قُلْت: وَالدَّارَانِ وَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ في ذَلِكَ سَوَاءٌ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَرْضًا وَاحِدَةً فَاقْتَسَمُوهَا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا، أَوْ أَرْضَيْنِ مُخْتَلِفينِ فَهُوَ سَوَاءٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنْ اقْتَسَمْنَا أَرْضَيْنِ فَأَخَذْتُ أَنَا أَرْضًا وَأَخَذَ صَاحِبِي أُخْرَى، فَغَرَسَ أَحَدُنَا في أَرْضِهِ وَبَنَى، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَ الْأَرْضِ الَّتِي صَارَتْ لِهَذَا الَّذِي غَرَسَ وَبَنَى؟ قَالَ: يُقَالُ لِهَذَا الْمُسْتَحِقِّ ادْفَعْ إلَى هَذَا الَّذِي غَرَسَ قِيمَةَ غِرَاسَتِهِ وَبُنْيَانِهِ في الْأَرْضِ الَّتِي اسْتَحْقَقْتَهَا، وَإِلَّا دَفَعَ إلَيْكَ قِيمَةَ أَرْضِكَ بَرَاحًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ في أَرْضِكَ غَاصِبًا وَإِنَّمَا بَنَى عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ الَّذِي قَاسَمَهُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْ أَرْضِهِ الشَّيْءَ التَّافِهَ الْيَسِيرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ اُسْتُحِقَّ رُبُعُ مَا في يَدَيْهِ رَجَعَ بِقِيمَةِ ثَمَنِ مَا في يَدِ صَاحِبِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ في الدَّارِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ أَوْ قَدْ فَاتَتْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَانْظُرْ أَبَدًا إلَى مَا اُسْتُحِقَّ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقَدْرِ نِصْفِ ذَلِكَ فيمَا في يَدِ صَاحِبِهِ يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا لَهُ فيمَا في يَدَيْهِ إذَا لَمْ يَفُتْ، وَإِذَا كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ تَافِهًا يَسِيرًا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ ذَلِكَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ شَرِيكًا لِصَاحِبِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قُلْت: فَالدَّارُ إذَا اقْتَسَمَاهَا فَبَنَى أَحَدُهُمَا في نَصِيبِهِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُهُ وَقَدْ بَنَاهُ أَوْ نِصْفُهُ يُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ: إنْ شِئْتَ فَادْفَعْ إلَى هَذَا قِيمَةَ بُنْيَانِهِ أَوْ خُذْ مِنْهُ قِيمَةَ أَرْضِكَ بَرَاحًا في قَوْلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْعَبِيدُ وَالدُّورُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا اُسْتُحِقَّ جُلُّ مَا في يَدَيْهِ رَدَّ الْجَمِيعَ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ مِمَّا في يَدَيْهِ لَمْ يَرُدَّ إلَّا مَا اُسْتُحِقَّ وَحْدَهُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ حِصَّةِ الثَّمَنِ، فَالْقِسْمَةُ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ أَحَدِهِمَا جُلُّ نَصِيبِهِ رَجَعَ بِقَدْرِ نِصْفِ ذَلِكَ فَشَارَكَ بِهِ صَاحِبَهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ تَافِهًا يَسِيرًا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ، وَلَا يُشَارِكُ بِهِ صَاحِبَهُ في حَظِّهِ الَّذِي في يَدَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ. وَتَفْسِيرُهُ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِائَةَ إرْدَبٍّ مِنْ حِنْطَةٍ فيسْتَحَقُّ خَمْسُونَ مِنْهَا. قَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، إنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ فَذَلِكَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الدَّارَانِ وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أَصَابَ بِخَمْسِينَ إرْدَبًّا مِنْهَا عَيْبًا أَوْ ثُلُثَ ذَلِكَ الطَّعَامِ أَوْ رُبُعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَجَدَ مِنْ طَيِّبِهِ، وَيَرُدَّ مَا أَصَابَ فيهِ الْعَيْبَ، إنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. .قِسْمَةُ الدُّورِ الْكَثِيرَةِ يُسْتَحَقُّ بَعْضُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْبُيُوعِ: إنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ مِنْ نَصِيبِهِ أَوْ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا هِيَ جُلُّ مَا في يَدَيْهِ مِنْ هَذِهِ الدُّورِ وَأَكْثَرُ هَذِهِ الدُّورِ ثَمَنًا رُدَّتْ الْقِسْمَةُ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَ كَذَلِكَ رَدَّهَا وَحْدَهَا وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهَا مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ. قُلْت: وَكَيْفَ يَرْجِعُ في نَصِيبِ صَاحِبِهِ، أَيَضْرِبُ بِذَلِكَ في كُلِّ دَارٍ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ تُقَوَّمُ الدُّورُ فينْظُرُ كَمْ قِيمَتُهَا، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الدَّارِ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ كَمْ كَانَتْ مِنْ الدُّورِ الَّتِي كَانَتْ في يَدَيْ الَّذِي اُسْتُحِقَّتْ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ عُشْرًا أَوْ ثُمُنًا أَوْ تُسْعًا رَجَعَ فَأَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ قِيمَةَ نِصْفِ عُشْرِ مَا في يَدَيْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَصَابَ عَيْبًا بِدَارٍ مِنْهَا قُسِمَتْ هَذِهِ الْمَعِيبَةُ وَمَا يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفينِ. قُلْت: وَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ في هَذَا مُخَالِفَةٌ في الْقِسْمَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ لِلدُّورِ الْكَثِيرَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الدَّارَ الْوَاحِدَةَ يَدْخُلُ فيهَا الضَّرَرُ عَلَيْهِ فيمَا يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَسْكُنَ، فَلِذَلِكَ جُعِلَ لَهُ في الدَّارِ الْوَاحِدَةِ أَنْ يَرُدَّ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ يَشْتَرِي فيسْتَحَقُّ نِصْفُهُ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَهُ. وَإِذَا كَانَتْ دُورًا كَثِيرًا فَإِنَّمَا تُحْمَلُ مَحْمَلَ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ في جُمْلَةِ الرَّقِيقِ وَجُمْلَةِ الدُّورِ وَجُمْلَةِ الْمَتَاعِ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ لَا مَضَرَّةَ فيهِ عَلَى مَا بَقِيَ فيكُونُ مِثْلَ الدَّارِ. قُلْت: فَلَوْ أَنَّ جَارِيَتَيْنِ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ، أَخَذْت أَنَا وَاحِدَةً وَأَعْطَيْته أُخْرَى، فَوَطِئَ صَاحِبِي جَارِيَتَهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّهَا بَعْدَمَا وَلَدَتْ؟ قَالَ: يَأْخُذُ الْجَارِيَةَ وَيَأْخُذُ قِيمَةَ وَلَدِهَا وَيَرْجِعُ هَذَا الَّذِي اُسْتُحِقَّتْ في يَدَيْهِ عَلَى صَاحِبِهِ فيقَاسِمُهُ الْجَارِيَةَ الْأُخْرَى إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ فَاتَتْ، فَإِنْ فَاتَتْ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ اخْتِلَافِ أَسْوَاقٍ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يَفُوتُ بِهِ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا وَجَدَ رَجُلٌ جَارِيَتَهُ عِنْدَ رَجُلٍ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَقَدْ كَانَتْ سُرِقَتْ مِنْهُ فَثَبَتَ لَهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا يَوْمَ يَسْتَحِقُّهَا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَكِنْ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ في ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ أَنَا أَنَّهُ يَأْخُذُهَا وَيَأْخُذُ قِيمَةَ وَلَدِهَا. قُلْت: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ جَارِيَةً في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ مَنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَمَا فَاتَتْ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ حَوَالَةِ أَسْوَاقٍ في يَدِ هَذَا الْمُشْتَرِي، أَيَكُونُ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ في يَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَمَنَهَا مِنْ الْبَائِعِ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ بِعَيْنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَالَتْ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ اخْتِلَافِ أَسْوَاقٍ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا أَوْ يَأْخُذُ ثَمَنَهَا مِنْ بَائِعِهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ في ذَلِكَ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهَا عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا وَقَدْ حَالَتْ بِالْأَسْوَاقِ أَوْ بِنَمَاءٍ أَوْ بِنُقْصَانٍ؟ قَالَ: فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعُرُوضَ مِنْ يَدِ بَائِعِ الْجَارِيَةِ زَادَتْ الْعُرُوض أَوْ نَقَصَتْ لَا حُجَّةَ لِلْبَائِعِ في زِيَادَةِ الْعُرُوضِ وَلَا نُقْصَانِهَا لِأَنَّهَا ثَمَنُ جَارِيَتِهِ. قَالَ: وَلِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ مِنْ رَجُلٍ، فَوَجَدَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ بِالسِّلْعَةِ الَّتِي أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ عَيْبًا فَرَدَّهَا وَقَدْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ في الَّتِي وَجَدَ فيهَا الْعَيْبَ وَفي الْأُخْرَى، كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّتِي وَجَدَ فيهَا الْعَيْبَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأُخْرَى، وَلَكِنْ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. قُلْت: وَلِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَجِدْ بِجَارِيَتِهِ عَيْبًا كَانَ ضَامِنًا لَهَا فَعَلَيْهِ نُقْصَانُهَا وَلَهُ نَمَاؤُهَا، وَاَلَّذِي وَجَدَ بِجَارِيَتِهِ عَيْبًا لَمْ يَرْضَ بِهَا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِلْعَيْبِ الَّذِي أَصَابَ بِهَا، فَإِذَا رَدَّهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا زَادَ في الْجَارِيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي في يَدِ صَاحِبِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ الزِّيَادَةُ الَّتِي في الْجَارِيَةِ الَّتِي في يَدِ صَاحِبِهِ لِصَاحِبِهِ كَانَ عَلَيْهِ النُّقْصَانُ أَيْضًا. قُلْت: فَقَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِ في مُسْتَحِقِّ الْجَارِيَةِ الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ عِنْدَ سَيِّدِهَا، لِمَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَأْخُذُهَا وَلَكِنْ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا، وَقَدْ قَالَ في الْجَارِيَةِ الَّتِي حَالَتْ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ حَوَالَةِ أَسْوَاقٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ: إنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَهَا بِعَيْنِهَا، مَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: لِأَنَّ الْوِلَادَةَ إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ سَيِّدِهَا، إنْ أُخِذَتْ مِنْ سَيِّدِهَا الَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ عَارًا عَلَى سَيِّدِهَا الَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ وَعَلَى وَلَدِهَا، وَهَذَا الَّذِي اسْتَحَقَّهَا إذَا أُعْطِيَ قِيمَتَهَا فَقَدْ أُعْطِيَ حَقَّهُ، فَإِنْ أَبَى فَهَذَا الضَّرَرُ وَيُمْنَعُ ذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ مَالِكٍ الْآخِرِ، فَأَنَا آخُذُ بِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ يَأْخُذُهَا وَيَأْخُذُ قِيمَةَ وَلَدِهَا. قلت: فَإِنْ قَالَ لَا أُرِيدُ الْجَارِيَةَ وَأَنَا أُرِيدُ قِيمَتَهَا، وَقَالَ سَيِّدُ الْجَارِيَةِ الَّتِي وَلَدَتْ عِنْدَهُ لَا أَدْفَعُ لِهَذَا الْمُسْتَحِقِّ شَيْئًا وَلَكِنْ يَأْخُذُ جَارِيَتَهُ، أَيُجْبِرُهُ مَالِكٌ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ قِيمَتَهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ، يُجْبِرُهُ مَالِكٌ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا، وَذَلِكَ رَأْيِي إذَا أَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا في قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ. قُلْت: وَكَيْفَ يَأْخُذُ قِيمَةَ جَارِيَتِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ إذَا وَلَدَتْ عِنْدَهُ، أَيَوْمَ اشْتَرَاهَا أَوْ يَوْمَ حَمَلَتْ أَوْ يَوْمَ اسْتَحَقَّهَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَوْمَ يَسْتَحِقُّهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا مُسْتَحِقُّهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَتْبَعَ الَّذِي وَلَدَتْ عِنْدَهُ بِقِيمَتِهَا دَيْنًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ إنْ هِيَ هَلَكَتْ بِقِيمَتِهَا مَا كَانَ لَهُ في وَلَدِهَا قِيمَةٌ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ يَسْتَحِقُّهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا يَوْمَ يَسْتَحِقُّهُمْ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا الَّذِينَ هَلَكُوا شَيْءٌ. قُلْت: فَهَذَا الْمُسْتَحِقُّ لِلْجَارِيَةِ الَّتِي وَلَدَتْ، أَيَكُونُ لَهُ عَلَى الْوَاطِئِ مِنْ الْمَهْرِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْمَهْرِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ نَعَمْ. أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَاله فَأَخَذَ في وَصِيَّته ثُلُث دَار فَاسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ بَعْدَ الْبِنَاء. قلت: فَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَأَخَذَ في وَصِيَّتِهِ ثُلُثَ دُورِ الْمَيِّتِ فَبَنَى ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدَيْهِ مُسْتَحِقٌّ؟ قَالَ: يُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ ادْفَعْ قِيمَةَ بُنْيَانِ هَذَا الْمُوصَى لَهُ أَوْ خُذْ قِيمَةَ أَرْضِكَ بَرَاحًا. قُلْت: فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ بُنْيَانِهِ وَقَدْ أَنْفَقَ الْمُوصَى لَهُ في بُنْيَانِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي أَخَذَ لِأَنَّ أَسْوَاقَ الْبُنْيَانِ حَالَتْ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا خَسِرَ في قِيمَةِ الْبُنْيَانِ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُمْ أَعْطَوْهُ في ثُلُثِهِ مَا لَيْسَ لَهُمْ فَغَرُّوهُ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ. قُلْت: فَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ في الدُّورِ، وَيَقْسِمُونَ ثَانِيَةً وَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثَ دُورِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: هَذَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ في الْبُيُوعِ إلَّا أَنْ تَفُوتَ الدُّورُ في يَدِ الْوَرَثَةِ بِبَيْعٍ أَوْ بُنْيَانٍ، فيرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضُوا الدُّورَ بِالْقَسْمِ فيقْتَسِمُونَ الْقِيمَةَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوَارِيثِ فيمَا بَيْنَهُمْ. قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ الدُّورُ وَقَدْ فَاتَتْ في أَيْدِي الْوَرَثَةِ بِهَدْمٍ؟ قَالَ: يُقَالُ لِلْمُوصَى لَهُ خُذْ ثُلُثَ هَذِهِ الدُّورِ مَهْدُومَةً وَثُلُثَ نَقْضِهَا، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ فيمَا نَقَضَ الْهَدْمُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا بَاعُوا مِنْ النَّقْضِ شَيْئًا، فيكُونُ لَهُ ثُلُثُ مَا بَاعُوا بِهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ لَا قِيمَةٌ وَلَا غَيْرُهَا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في رَجُلٍ اشْتَرَى دَارًا فَهَدَمَهَا فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ، فَقَالَ لِي مَالِكٌ: إنْ أَحَبَّ مُسْتَحِقُّهَا أَنْ يَأْخُذَهَا مَهْدُومَةً بِحَالِهَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةٌ وَلَا غَيْرُهَا فيمَا تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى: إنْ كَانَ هَذَا الْمُشْتَرِي الَّذِي هَدَمَ بَاعَ مِنْ نَقْضِهَا شَيْئًا فَأَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ أَخْذَ الدَّارِ مَهْدُومَةً، كَانَ لَهُ ثَمَنُ الَّذِي بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ ثَمَنُ شَيْئِهِ. قُلْت: فَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً فَعَمِيَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ، أَيَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهَا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ. إنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِحَالِهَا أَوْ يَأْخُذَ ثَمَنَهَا مِنْ الْبَائِعِ هُوَ مُخَيَّرٌ في ذَلِكَ. قَالَ: وَلَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ دَارًا فَاحْتَرَقَتْ ثُمَّ أَتَى صَاحِبُهَا فَاسْتَحَقَّهَا، أَوْ أَدْرَكَ رَجُلٌ فيهَا شُفْعَةً، لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى صَاحِبِهَا الَّذِي احْتَرَقَتْ في يَدَيْهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا أَوْ يُسَلِّمَهَا وَيَتْبَعَ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ، وَلِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ مُحْتَرِقَةً أَوْ يَدَعَهَا لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ. .مَا جَاءَ في النَّقْضِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَرْصَةُ لَيْسَتْ لَهُمَا فيقْتَسِمَانِهِ: قَالَ: أَرَى هَذَا جَائِزًا لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ. قُلْت: فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ النَّقْضِ وَأَبَى صَاحِبُهُ، أَيُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ. قُلْت: فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَهْدِمَا النَّقْضَ وَصَاحِبُ الدَّارِ غَائِبٌ، أَيَكُونُ لَهُمَا أَنْ يَهْدِمَاهُ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى: إنْ أَرَادَا أَنْ يَهْدِمَاهُ وَصَاحِبُ الدَّارِ غَائِبٌ أَنْ يَرْفَعَا ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، فينْظُرُ السُّلْطَانُ لِلْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ لِلْغَائِبِ أَنْ يُعْطِيَهُمَا قِيمَةَ النَّقْضِ وَيَأْخُذَ النَّقْضَ لَهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُخَلِّيَهُمَا وَنَقْضَهُمَا خَلَّاهُمَا وَذَلِكَ، وَمَا صَنَعَ السُّلْطَانُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْغَائِبِ. قُلْت: فَمِنْ أَيْنَ يَنْقُدُ الثَّمَنَ إنْ رَأَى أَنْ يَأْخُذَ لَهُ؟ قَالَ: يَنْظُرُ السُّلْطَانُ في ذَلِكَ وَالسُّلْطَانُ أَعْلَمُ. قُلْت: فَإِنْ نَقَضَا وَلَمْ يَرْفَعَا ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ أَيَكُونُ عَلَيْهِمَا لِذَلِكَ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَيَقْتَسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا. قُلْت: فَإِنْ أَذِنْت لِرَجُلٍ يَبْنِي في عَرْصَةٍ لِي وَيَسْكُنُ وَلَمْ أُوَقِّتْ لَهُ، كَمْ يَسْكُنُ سَنَةً وَلَا شَهْرًا، أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قُلْت: فَإِنْ بَنَى، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ قَالَ رَبُّ الْعَرْصَةِ اُخْرُجْ عَنِّي؟ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا أَنْفَقَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَكَنَ مَا يَرَى مِنْ طُولِ السِّنِينَ مَا يَكُونُ سُكْنَى فيمَا أَذِنَ لَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ ذَلِكَ مَنْقُوضًا إنَّ أَحَبَّ، أَوْ قَالَ لَهُ خُذْ بُنْيَانَكَ وَلَا شَيْءَ لَكَ غَيْرَ ذَلِكَ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ سَكَنَ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ أَوْ الْعَشْرَ سِنِينَ فَقَالَ رَبُّ الْعَرْصَةِ اُخْرُجْ عَنِّي؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ إذَا سَكَنَ الْأَمْرُ الَّذِي يُعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ في الْبُنْيَانِ لِيَسْكُنَ مِقْدَارَ هَذِهِ السِّنِينَ لِكَثْرَةِ مَا أَنْفَقَ في بُنْيَانِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ. قُلْت: فَإِذَا أَخْرَجَهُ، أَيُعْطِيهِ قِيمَةَ نَقْضِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: رَبُّ الْعَرْصَةِ مُخَيَّرٌ في أَنْ يَدْفَعَ إلَى صَاحِبِ النَّقْضِ قِيمَةَ نَقْضِهِ الْيَوْمَ حِينَ يُخْرِجُهُ مَنْقُوضًا، وَفي أَنْ يَأْمُرَهُ أَنْ يَقْلَعَ نَقْضَهُ. وَلَيْسَ لِصَاحِبِ النَّقْضِ إذَا قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْعَرْصَةِ أَنَا أَدْفَعُ إلَيْكَ قِيمَةَ نَقْضِكَ أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ ذَلِكَ وَلَكِنِّي أَقْلَعُ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ في ذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الْعَرْصَةِ. قُلْت: فَإِذَا أَذِنَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ أَنْ يَبْنِيَا عَرْصَةً لَهُ وَيَسْكُنَاهَا فَبَنَيَاهَا، فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا بَعْدَمَا قَدْ سَكَنَ مِقْدَارَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ الْعَرْصَةَ لِيَبْنِيَ فيسْكُنَ مِقْدَارَ مَا سَكَنَ، كَيْفَ يُخْرِجُهُ رَبُّ الْعَرْصَةِ، أَيُعْطِيهِ قِيمَةَ نِصْفِ النَّقْضِ، أَمْ يَقُولُ رَبُّ الْعَرْصَةِ النَّقْضَ، أَمْ لَا يَكُونُ رَبُّ الْعَرْصَةِ في هَذَا مُخَيَّرًا لِأَنَّ صَاحِبَ النَّقْضِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُقْلِعَ نَقْضَهُ لِأَنَّ لَهُ فيهِ شَرِيكًا؟ قَالَ: إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقْسَمَ النَّقْضُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فيكُونُ نَصِيبُ هَذَا عَلَى حِدَةٍ وَنَصِيبُ هَذَا عَلَى حِدَةٍ، فيقْسَمُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُقَالُ لِلَّذِي قَالَ لَهُ رَبُّ الْعَرْصَةِ اُخْرُجْ عَنِّي يُقَالُ لَهُ اقْلَعْ نَقْضَكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْعَرْصَةِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَطَاعُ الْقِسْمَةُ في هَذَا النَّقْضِ، قِيلَ لِلشَّرِيكَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْلَعَ هَذَا الَّذِي قَالَ لَهُ رَبُّ الْعَرْصَةِ اقْلَعْ نَقْضَكَ، فَلْيَتَرَاضَ الشَّرِيكَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَمْرٍ يَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا. إمَّا أَنْ يَتَقَاوَمَاهُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَبِيعَانِهِ وَإِنْ بَلَغَ الثَّمَنُ فَأَحَبَّ الْمُقِيمُ في الْعَرْصَةِ أَنْ يَأْخُذَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ بِشُفْعَتِهِ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ مَالِكٍ في رَجُلَيْنِ بَنَيَا في رُبُعٍ لَيْسَ لَهُمَا، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّقْضِ فَأَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِشُفْعَتِهِ. قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ لَهُ بِشُفْعَتِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَا هُوَ بِالْأَمْرِ الَّذِي جَاءَ فيهِ شَيْءٌ، وَلَكِنِّي أَرَى ذَلِكَ لَهُ، فَالشَّرِيكَانِ عِنْدِي بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ. .مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الطَّرِيقِ وَالْجِدَارِ: قَالَ: لَا يُقْسَمُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: وَالْجِدَارُ، هَلْ يُقْسَمُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى: إنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ في ذَلِكَ ضَرَرٌ وَكَانَ يَنْقَسِمُ رَأَيْتُ أَنْ يَنْقَسِمَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا. قُلْت: فَإِنْ كَانَ لِهَذَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ وَلِهَذَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ؟ كَيْفَ يَقْتَسِمُهُ هَذَانِ؟ قَالَ: إذَا كَانَتْ جُذُوعُ هَذَا مِنْ هَهُنَا وَجُذُوعُ هَذَا مِنْ هَهُنَا، لَا يَسْتَطِيعَانِ قِسْمَةَ هَذَا الْحَائِطِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا رَأَيْتُ أَنْ يَتَقَاوَمَانِهِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ. .مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْحَمَّامِ وَالْآبَارِ وَالْمَوَاجِلِ وَالْعُيُونِ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ يُقْسَمُ. قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْحَمَّامِ وَالطَّرِيقِ وَالْحَائِطِ إذَا كَانَ في ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا، وَمَالِكٌ يُقَسِّمُ الْحَمَّامَ وَفيهِ ضَرَرٌ وَلَا يُقَسِّمُ الطَّرِيقَ وَالْحَائِطَ وَفيهِ ضَرَرٌ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْحَمَّامَ عَرْصَةٌ، وَالطَّرِيقَ وَالْحَائِطَ لَيْسَتْ لَهُمَا كَبِيرُ عَرْصَةٍ، فَإِنَّمَا يُقْسَمَانِ عَلَى غَيْرِ ضَرَرٍ. فَإِذَا وَقَعَ الضَّرَرُ لَمْ يُقْسَمَا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا جَمِيعًا الْوَرَثَةُ إنْ كَانُوا وَرِثُوا ذَلِكَ عَلَى قَسْمِ ذَلِكَ فيكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَيْضًا في الْحَمَّامِ: إنْ كَانَ في قِسْمَتِهِ ضَرَرٌ أَنْ لَا يُقَسَّمَ وَأَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِمْ. قُلْت: فَهَلْ يُقَسَّمُ الْآبَارُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: فَهَلْ تُقَسَّمُ الْمَوَاجِلُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: أَمَّا في قَوْلِ مَالِكٍ فَنَعَمْ وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ في ذَلِكَ ضَرَرًا إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ في ذَلِكَ ضَرَرٌ إنْ اقْتَسَمَاهُ، وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا جَلَّ عَلَى حِدَةٍ يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. قُلْت: فَهَلْ تُقْسَمُ الْعُيُونُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ أَنَّ الْعُيُونَ تُقْسَمُ أَوْ الْآبَارَ إلَّا عَلَى الشِّرْبِ، يَكُونُ لِكُلِّ قَوْمٍ حَظُّهُمْ مِنْ الشِّرْبِ مَعْلُومٌ، فَأَمَّا قِسْمَةُ أَصْلِ الْعُيُونِ أَوْ أَصْلِ الْبِئْرِ فَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا قَالَ يُقْسَمُ، وَلَا أَرَى أَنْ تُقْسَمَ إلَّا عَلَى الشِّرْبِ. .مَا جَاءَ في قِسْمَةِ النَّخْلَةِ وَالزَّيْتُونَةِ: قَالَ: إنْ اعْتَدَلَتَا في الْقِسْمَةِ وَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ قَسَمْتُهُمَا بَيْنَهُمَا، يَأْخُذُ هَذَا وَاحِدَةً وَهَذَا وَاحِدَةً. وَإِنْ كَرِهَا لَمْ يُجْبَرَا عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَتَا لَا يَعْتَدِلَانِ في الْقِسْمَةِ تَقَاوَمَاهُمَا بَيْنَهُمَا أَوْ يَبِيعَانِهِمَا بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا الشَّجَرَتَانِ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرَةِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَالشَّجَرَةُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ أَوْ الْعَبْدِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في الثَّوْبِ بَيْنَ النَّفَرِ إنَّهُ لَا يُقْسَمُ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ لَا يُقَسَّمُ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ وَقَالَ صَاحِبُهُ لَا أَبِيعُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْبَرُ الَّذِي لَا يُرِيدُ الْبَيْعَ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِذَا قَامَتْ السِّلْعَةُ عَلَى ثَمَنٍ، قِيلَ لِلَّذِي لَا يُرِيدُ الْبَيْعَ إنْ شِئْتَ فَخُذْ وَإِنْ شِئْتَ فَبِعْ مَعَ صَاحِبِكَ وَالنَّخْلَةُ كَذَلِكَ، فَإِنْ بَاعَ فَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِهِ فيهَا. .مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْأَرْضِ الْقَلِيلَةِ وَالدُّكَّانِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَإِنْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ. وَمَنْ دَعَا إلَى الْقَسْمِ مِنْهُمْ قُسِمَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَدْعُ إلَى ذَلِكَ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ. قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ دُكَّانٌ في السُّوقِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، دَعَا أَحَدُهُمَا إلَى الْقِسْمَةِ وَأَبَى صَاحِبُهُ؟ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْعَرْصَةُ أَصْلُهَا بَيْنَهُمْ، فَمَنْ دَعَا إلَى الْقِسْمَةِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: فَلَوْ أَنَّ دَارًا في جَوْفِ دَارٍ، الدَّارُ الدَّاخِلَةُ لِقَوْمٍ وَالْخَارِجَةُ لِقَوْمٍ آخَرِينَ، وَلِأَهْلِ الدَّارِ الدَّاخِلَةِ الْمَمَرُّ في الْخَارِجَةِ، فَأَرَادَ أَهْلُ الْخَارِجَةِ أَنْ يُحَوِّلُوا بَابَهُمْ في مَوْضِعٍ سِوَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فيهِ، وَأَبَى عَلَيْهِمْ أَهْلُ الدَّارِ الدَّاخِلَةِ ذَلِكَ، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ؟ قَالَ: لَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا وَأَرَى إنْ كَانُوا أَرَادُوا أَنْ يُحَوِّلُوهُ إلَى جَنْبِ بَابِ الدَّارِ الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ في ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ الدَّاخِلَةِ، رَأَيْتُ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُحَوِّلُوا بَابَهُمْ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الدَّارِ لَيْسَ في قُرْبِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فيهِ بَابُ الدَّارِ، فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إنْ أَبَى عَلَيْهِمْ أَهْلُ الدَّارِ الدَّاخِلَةِ. قُلْت: فَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ الدَّارِ الْخَارِجَةِ أَنْ يُضَيِّقُوا بَابَ الدَّارِ وَأَبَى عَلَيْهِمْ أَهْلُ الدَّارِ الدَّاخِلَةِ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُضَيِّقُوا الْبَابَ، وَلَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ. قُلْت: فَلَوْ أَنَّ دَارًا بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ أَنَا وَهُوَ شَرِيكَانِ فيهَا لَمْ تُقْسَمْ وَإِلَى جَانِبِهَا دَارٌ لِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَفْتَحَ بَابَ الدَّارِ الَّتِي لِي في الدَّارِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَ شَرِيكِي وَأَبَى شَرِيكِي ذَلِكَ؟ قَالَ: ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَكَ. قُلْت: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَفْتَحَ فيهِ بَابَ دَارِكَ هُوَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ شَرِيكِكَ، وَإِنْ كَانَ في يَدَيْكَ لِأَنَّكُمَا لَمْ تَقْسِمَاهَا بَعْدُ. قُلْت: فَإِنْ أَرَدْنَا أَنْ نُقَسِّمَ، فَقُلْت اجْعَلُوا نَصِيبِي في هَذِهِ الدَّارِ إلَى جَنْبِ دَارِي حَتَّى أَفْتَحَ فيهِ بَابًا قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذَا بِعَيْنِهِ فَقَالَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ هَذَا، وَلَكِنْ تُقْسَمُ الدَّارُ عَلَى الْقِيمَةِ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بَيْنَهُمَا بِالسِّهَامِ، فَإِنْ صَارَ لَهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي إلَى جَنْبِ دَارِهِ فَتَحَ فيهِ بَابَهُ إنْ شَاءَ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ، وَإِنْ وَقَعَ نَصِيبُهُ في الْمَوْضِعِ الْآخَرِ أَخَذَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ. قُلْت: فَلَوْ أَنَّ دَارًا بَيْنَ قَوْمٍ اقْتَسَمُوهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ هَذَا طَائِفَةً وَهَذَا طَائِفَةٍ فَوَقَعَتْ الْأَجْنِحَةُ في حَظِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، أَتَكُونُ الْأَجْنِحَةُ لَهُ؟ قَالَ: إذَا وَقَعَتْ الْأَجْنِحَةُ في حَظِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَذَلِكَ لَهُ. قُلْت: وَلِمَ جَعَلْتَ الْأَجْنِحَةَ لِلَّذِي صَارَتْ لَهُ تِلْكَ النَّاحِيَةُ، وَالْأَجْنِحَةُ إنَّمَا هِيَ في هَوَاءِ الْأَفْنِيَةِ، فَلَمَّا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَاحِيَةً كَانَ فِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهِ، وَالْأَجْنِحَةُ إنَّمَا هِيَ في الْفِنَاءِ؟ قَالَ: الْأَجْنِحَةُ إذَا كَانَتْ مَبْنِيَّةً فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الدَّارِ، وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْفِنَاءِ وَصَارَتْ خَزَائِنَ لِلدَّارِ، فَلَمَّا اقْتَسَمُوا عَلَى أَنْ أَعْطَوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِفَةً مِنْ الدَّارِ، كَانَتْ الْأَجْنِحَةُ لِلَّذِي أَخَذَ تِلْكَ النَّاحِيَةَ الَّتِي فيهَا الْأَجْنِحَةُ، وَإِنَّمَا الْأَجْنِحَةُ خَزَائِنُ لِحِصَّتِهِ وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِنَاءً، وَهَذَا رَأْيِي. .الرَّجُلَيْنِ يَقْتَسِمَانِ الْجِدَارَ عَلَى أَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ: قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا مَوْصُوفًا فَلَا يَصْلُحُ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ لِذَلِكَ أَجَلًا، يَجُوزُ مِنْ هَذَا مَا يَجُوزُ في الْبَيْعِ وَيَفْسُدُ مِنْ هَذَا مَا يَفْسُدُ في الْبَيْعِ. قَالَ: وَهَذَا رَأْيِي لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا طَائِفَةً مِنْ الدَّارِ وَالْآخَرُ طَائِفَةً مِنْ الدَّارِ عَلَى أَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَنَانِيرَ. قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَسَمَاهَا فيمَا بَيْنَهُمَا فَأَخَذَ هَذَا طَائِفَةً وَهَذَا طَائِفَةً، عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِصَدَقَةٍ مَعْرُوفَةٍ أَوْ يَهَبَ لَهُ هِبَةً مَعْرُوفَةً؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ. قُلْت: فَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مَمَرَّهُ في دَارِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَقَبَةِ الدَّارِ شَيْئًا، أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ في الْبَيْتِ الصَّغِيرِ يَكُونُ بَيْنَ قَوْمٍ فيكُونُ في نَصِيبِ أَحَدِهِمْ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إذَا قُسِمَ أَيُقْسَمُ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْسَمُ وَإِنْ كَانَ في نَصِيبِ أَحَدِهِمْ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ قُسِمَ بَيْنَهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ في كِتَابِهِ: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ] فَالْقَلِيلُ النَّصِيبُ في هَذَا وَالْكَثِيرُ النَّصِيبُ في هَذَا سَوَاءٌ، يُقْسَمُ عَلَيْهِمْ إذَا طَلَبُوا الْقِسْمَةَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَلِيلِ النَّصِيبِ وَلَا إلَى كَثِيرِ النَّصِيبِ. قُلْت: فَإِذَا دَعَا وَاحِدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ إلَى الْقِسْمَةِ وَشَرِكَتُهُمْ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَأَبَى بَقِيَّتُهُمْ الْقِسْمَةَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَعَا مِنْهُمْ إلَى الْقِسْمَةِ وَكَانَ مَا في أَيْدِيهِمْ مِمَّا يُقْسَمُ قُسِمَ مِنْ رَقِيقٍ أَوْ دَوَابّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ لِي مَالِكٌ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ وَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا لَا أَبِيعُ وَقَالَ بَقِيَّتُهُمْ نَحْنُ نَبِيعُ. قَالَ: يُبَاعُ عَلَيْهِمْ، وَعَلَيْهِ جَمِيعُ ذَلِكَ عَلَى مَا أَحَبُّوا أَوْ كَرِهُوا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الَّذِينَ كَرِهُوا الْبَيْعَ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ بِمَا يُعْطُونَ فيهِ فيكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ.
|